شهد السودان في ديسمبر 2018م انتفاضة شعبية أدت إلى سقوط نظام البشير وتولي مجلس عسكري حكم البلاد لمرحلة انتقالية مضطربة ثم انتهت هذه المرحلة الانتقالية لحرب مدمرة بسبب التدخلات الخارجية التي أرادت رسم مستقبل السودان بعيدا عن التيار الإسلامي الذي كان يحكم البلاد من 1989م بالقوة العسكرية بعد أن استطاع نظام البشير احتواء الانتفاضة.
برز مشروع التخطيط لإقامة دولة قبلية بدلا عن الدولة السودانية القائمة وهو المخطط الذي تسميه أجهزة الاعلام التابعة للحكومة السودانية بمخطط توطين عرب الشتات في السودان.
فما هو هذا المشروع وما هي الجهات التي تقف خلفه؟
لقد ولى عهد الاستعمار القديم وتحررت الشعوب في العالم الثالث من الاستعمار المباشر بعد الحرب العالمية الثانية حيث أقرت منظمة الأمم المتحدة تصفية الاستعمار وحق الشعوب تقرير مصيرها وهو الأداة التي تم استخدامها خلال الحرب الباردة للحرب بين المعسكر الشرقي والغرب.
حيث شجع الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية على طرد الاستعمار الغربي من دول العالم الثالث وتمويل (الحركات التحررية) بينما كانت الكتلة الغربية في حالة دفاع قبل أن تبادر في نهاية الحرب بدعم الحركات (الاستقلالية) داخل الاتحاد السوفيتي والمجاهدين الأفغان
في أوقات الحروب العالمية وحروب الوكالة وتصادم الدول الكبرى تصعد المشاريع التقسيمية وهذا هو سلوك معروف في النظام الدولي منذ مؤتمر وستفاليا الذي أنهى الحروب في داخل أوروبا ووجه العنف الأوروبي في اتجاه الاستعمار خارج أوروبا
قال العالم الفرنسي موريس دافي بدأت الحروب بالصيد حيث كان الإنسان يأكل لحم أخيه الإنسان ثم اكتشف الإنسان أن بإمكانه استغلال الأسرى كمنتجين للطعام إما لتسمينهم وأكلهم أو لتشغيلهم كعمال على الأرض ثم جاءت فكرة نهب ما ينتجه الآخرون بدلا من التعب في زراعة المحصول (1)
يعيش العالم اليوم حرب باردة جديدة واستئنافا للصراع بين الولايات المتحدة والإتحاد الروسي على مناطق النفوذ في دول العالم عموما وعلى مستوى العالم الثالث خصوصا
لقد كانت الحرب الباردة عصر الحرب بالوكالة ما بين المعسكر الشرقي والغربي وكان المعسكران يدعمان الانقلابات العسكرية الموالية لهما ويقومان بتدريب وتسليح وتمويل المليشيات حول العالم
خلال تلك الفترة تم انهاء مناطق النفوذ الاستعماري للدول الأوربية (بريطانيا و فرنسا) و إلى تدمير الاقتصاد العالمي وزعزعة السياسات المالية بسبب التضخم الذي كان يولد عدم استقرار مستمر كما تم صناعة دول على أسس عرقي وديني لخدمة المصالح الاستعمارية مثل روديسيا في زيمبابوي ونظام الفصل العنصري ( لأبارتايد) في جنوب افريقيا و الكيان الصهيوني في فلسطين بالإضافة إلى جزر فرموزا (تايوان) وهونغ كونغ وقد ناضلت الشعوب لإزالة هذه الكيانات واستطاعت ازالة بعضها و حافظت أمريكا على اسرائيل و تايوان .
في مطلع التسعينات وبعد حرب الخليج الثانية التي انتهت بتحرير الكويت من صدام وسقوط الاتحاد السوفيتي خرج المؤرخ اليهودي الأمريكي برنارد لويس بكتاب الشرق الأوسط الجديد ليتنبأ بسقوط دول وعواصم وتقسيم هذه المنطقة من العالم على أساس العرق والدين واعتبر الجميع أن هذا الكتاب مجرد خطرفات حاقد مؤيد لدولة الاحتلال لكن هذا الكتاب تم تبنيه من قبل مؤسسات الفكر في الولايات المتحدة التي رددت ما فيه من سموم وقام عضو كونغرس أمريكي هو ال غور بتقديم مشروع قرار لدعم تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية وتبنى اليمين الصهيوني حركة جون غرنغ التي كانت شيوعية تتدرب في كوبا لتحقيق تقسيم السودان وتم تشجيع حركات (الأفريقانية الجديدة) في غرب السودان والإنفصاليين الأمازيغ في الجزائر والمتطرفين الأقباط في مصر والحركة (السوداء) في موريتانيا والأقليات العرقية في إيران وباكستان واليمن .
متى ظهر المشروع العربي بالسودان؟
لم يعرف المشروع العربي بالسودان حتى عام 1987م عندما التقى زعماء 27 قبيلة عربية من دارفور وكردفان برئيس الوزراء الصادق المهدي طالبوه بإزالة (الظلم الذي يقع عليهم وزعموا أنهم الغالبية من أهل دارفور وكردفان وأنهم أكثر عروبة من غيرهم) وسلموا مذكرة للصادق المهدي عرفت إعلاميا باسم ميثاق قريش (2)
وهو الخطاب الذي اعتبره زعماء الفور أنه خطاب استئصال وإبادة لهم وعلى هذا الأساس بدأ المثقفون الفور يروجون لمؤامرة عربية تتضمن ليبيا وحكومة الصادق المهدي ترغب في طرد السكان الأصليين واستبدالهم بآخرين من العرب.
عام 1916 م أثناء الحرب العالمية قام الجيش الإنجليزي – المصري بغزو سلطنة دارفور والقضاء على سلطانهاعلي دينار وضمها إلى سودان وادي النيل لينهي دولة إسلامية ازدهرت طوال ثلاثة قرون وذلك انتقاما من تأييد سلطان دارفور للدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى ولأن دارفور كانت الرافد الأكبر لقوات تمرد (محمد أحمد المهدي) الذي حكم السودان طوال 13 عاما.
وطوال فترة ما بعد الاحتلال وحتى الاستقلال تجاهل الاستعمار إقليم دارفور من التنمية والمشاركة في الخدمة المدنية (الاستعمارية) فحدث تفاوت في التعليم والتنمية ما بين إقليم الشمال وإقليم الوسط ودارفور ظهر بشكل واضح في فترة السودنة ما بعد الإستقلال حيث لم يكن لدارفور نخب مدنية و كبار موظفين في حالة تشبه إلى حد كبير حالة جنوب السودان مع التمييز أن جنوب السودان حظي بفرصة التعليم الغربي (الكنسي) و درس خريجوا هذا التعليم في منح دراسية في أكبر الجامعات الغربية بينما لم يحظى أهل دارفور بذلك فالتعليم السائد في دارفور هو تعليم الخلاوي ما تسبب في وجود نسبة أقل من الدارفوريين في مؤسسات الخدمة المدنية وسرقة تمثيل دارفور من قبل أحزاب السيدين التي كانت تقوم بترشيح نواب من خارج دارفور في الدوائر الجغرافية الدارفورية ليفوزوا بأصوات الجهلة والأمييين الذين يريدون رضا الأسياد مثل عبدالله خليل رئيس الوزراء الشهير الذي فاز بمقعد عن دارفور في الانتخابات رغم أنه لم يزرها .
ما تسبب في ظهور حركات إقليمية تطالب بأن يحكم أهل دارفور أنفسهم كان أشهرها جبهة نهضة دارفور التي كانت يرأسها أحمد دريج وقد كانت هذه الجبهة تضم مجموعتين الأولى مجموعة اللهيب الأحمر وهي مجموعة كانت توزع المناشير في مدن وقرى دارفور مطالبة بطرد من تصفهم بالجلابة (سكان شمال ووسط السودان) ومجموعة أخرى تبنت العنف المسلح وتسمى مجموعة سوني وقد كانت تتدرب على حمل السلاح في جبل مرة لمقاومة السلطات بالقوة.
وانطلقت حوادث اعتداءات على التجار والموظفين وتم الامساك بمشتبه بهم أقروا بتبعيتهم لحركة سوني
ولم تكن جبهة نهضة دارفور عرقية من مكون واحد بل كانت تجمع جميع مكونات دارفور ولذلك كانت أنجح حركة سياسية دارفورية.
لكن الغنائم فرقت الصفوف فعندما جاءت ثورة أكتوبر قام حزب الأمة باستقطاب زعيمها دريج الذي أصبح وزيرا في الحكومة ورئيس لنواب حزب الأمة في البرلمان لكنه خسر كثيرا من ذلك حيث اتهم من قبل بقية عناصر جبهة نهضة دارفور بالانتحار السياسي.
وتقسمت الحركة السياسية الدارفورية ما بين قبائل عربية تجمعت في حلف قريش وقبائل إفريقية، وعندما أصدر الرئيس جعفر نميري قانون الاستقلال الإقليمي عام 1980م وعين حاكما لدارفور خرجت مظاهرات منددة بالتعيين ما جعل نميري يعين أحمد دريج حاكما عاما لدارفور وهذا القرار كان المفجر الأكبر للعنف السياسي بالإقليم حيث اتهم دريج بمحاباة قبيلته وهو ما عوقب عليه في انتخابات عام 1986م عندما انتزع الإسلاميون مقاعد دارفور بعدما استطاعوا كسب تأييد القبائل العربية وغير العربية ضد سياسات أحمد دريج.
من جانب آخر تسببت موجات الجفاف التي ضربت بحيرة تشاد بهجرة كبيرة للقبائل الرعوية نحو السودان مع ماشيتها ودخلت هذه القبائل في أراضي زراعية مملوكة لقبائل أخرى وكذلك تسببت الحرب الليبية التشادية في انتشار السلاح بصورة كبيرة في دارفور وبأرخص الأثمان ما تسبب في حروب أهلية مستمرة كان حكومة الصادق المهدي الضعيفة تغطي عليها بجلسات الصلح العرفية دون علاج جذري لسبب الصراع وهو تحول القبائل الرعوية لمليشيات قاتلة لصالح نظام القذافي المتحالف مع الصادق المهدي والذي كان يخوض حربا ضد دولة تشاد عبر هذه المليشيات وهي المدعومة بالجيش الفرنسي والأمريكي.
وقد ورث نظام البشير هذا الوضع من النظام الديمقراطي الضعيف وبدلا من تصحيح الأوضاع استثمر في هذا الصراع خوفا من التحالف الذي جمع مجموعة من مثقفي دارفور العلمانيين وجون قرنق واستحضارا لذكرى حركات اللهيب الأحمر وسوني التي تحدثت عنها مسبقا.
في فبراير عام 2003 وبينما كانت الحكومة السودانية تتفاوض مع جون قرنق أعلنت حركة مسلحة في دارفور عن نفسها وقللت الحكومة من هذا الإعلان معتبرة أنه محاولة للحاق بمفاوضات السلام والحصول على الوزارات لكن المفاجأة كانت بعد شهرين عندما هاجمت هذه الحركة مطار الفاشر مشعلة الحرب الأهلية في دارفور.
رفعت الحركات المسلحة من اللحظات الأولى لتمردها شعار تقرير المصير على غرار جنوب السودان في كل جولات التفاوض بين الحكومة المركزية والمتمردين.
ففي مفاوضات أبوجا 2004م رفع عبد الواحد محمد نور ورقة تقرير المصير ثم قبل على مضض إنزالها لصالح الحكم الذاتي حسب ما زعم(3)
وفي مفاوضات الدوحة رفع عبد الواحد محمد نور وحركة العدل والمساواة ذات الشعارات المنادية بتقرير المصير لدارفور(4)
وقد وقع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو عندما كان متمردا على الدولة مذكرة تفاهم مع حركة العدل والمساواة تتضمن الدعوة إلى تقرير مصير دارفور.
وقد أعلن مناوي زعيم أحد أكبر الحركات المتمردة على راديو مونتي كارلو تأييده لتقرير المصير لأن الشعب السوداني غير مهتم بما يحدث في دارفور(5)
وعندما انفصل جنوب السودان التقى وفد من الحركات الدارفورية بنائب رئيس دولة الجنوب للاستفادة من خبرة الجنوبيين في المطالبة بتقرير المصير(6)
وظلت ورقة تقرير المصير حاضرة في يد الحركات المسلحة تهدد بها نظام البشير حتى كان التحول في فترة ما بعد عاصفة 2015 عندما أصبح النظام هو الذي يرمي للحركات المسلحة بورقة تقرير المصير وهي ترفض أو تمتنع عندما لوح البروف إبراهيم غندور بورقة الاستفتاء الإداري لحل أزمة الإقليم ما بين الحكم الإقليمي وزيادة عدد الولايات الأمر الذي انتهى بانتصار خيار زيادة عدد ولايات دارفور الأمر الذي منح الهدوء لدارفور طوال الفترة ما قبل انفجار انتفاضة 2019 م
أزمة دارفور كيف حدثت النزاع في عهد البشير:
عام 1982م طرد حسين حبري (جوكوني عويدي) رئيس تشاد و طارد أنصاره الذين هاجروا بأعداد كبيرة إلى السودان وتكون تحالف إثني يحكم تشاد يضم قبائل القرعان والسارا والزغاوة وذلك بإشراف فرنسي وقاوم نظام القذافي النظام التشادي الجديد عبر إغراق دارفور بالأسلحة حتى بيع الكلاشنكوف بأقل من 40 دولار ووجدت أسواق في مدن دارفور يباع فيها قاذفات الدروع ما تسبب في انتشار السلاح بصورة كبيرة لم تستطيع الحكومة السيطرة عليه وقد كانت مشغولة بمواجهة الحرب في جنوب السودان وكانت القوات التشادية تطارد المعارضة داخل الأراضي السودانية دون أي رد فعل من حكومة الصادق المهدي التي يعتقد أنها كانت تدعم المعارضة ما جعل المعارضة التشادية ترحل من الحدود التشادية إلى داخل دارفور والمناطق الحصينة بداخله مثل جبل مرة وهناك حدث الصدام الدموي بين الرعاة والمزارعين حيث رحبت القبائل العربية الرعوية بوجود التشاديين بينما نظر إليهم المزارعين كتهديد وبدأ الاشتباك فقد كان المزارعون يحرقون المراعي وكان الرعاة يدمرون المحاصيل.
وبدأ المزارعون ينظرون إلى تجربة حسين حبري بإعجاب وأنها السبيل الوحيد وهي طرد العرب كما حدث في تشاد وبينما أحس العرب بالاضطهاد فتكتلوا مع بعضهم ضمن تشكيلات عرفت باسم (الفرسان) وسماها السكان المحليين باسم الجنجويد.
وزاد الأمر سوءا عندما بدأ المزارعون بمد خط التعاون مع الجيش الشعبي لتحرير السودان وقوات قرنق (تمرد داود بولاد).
المخطط قديم ودارفور كانت قنبلة موقوتة:
أثناء فترة استفتاء جنوب السودان عام 2011م خرجت مجلة فورين بوليسي بمقال عن السودان لكاتب يسمى باراج خان يرى أن هذا الحدث أمر إيجابي وأن العالم يجب أن يستعد لولادة 300 دولة جديدة لأن الاتفاقيات الاستعمارية التي قسمت الشرق الأوسط وإفريقيا أنشأت دول مشوهة وإن بقاء هذه الدول يضر بالمصالح الأمريكية فالسودان كما يرى الكاتب هو كيان صناعي يضم العرب والأفارقة والمسلمين والمسيحيين ومساحة تساوي مساحة أمريكا لكن دون أي روح أو انتماء وطني يجمع بينهم لذلك فإن على الولايات المتحدة عدم الاهتمام بسايكس بيكو أو اتفاقية برلين.
من جانب آخر نشرت صحيفة الانتباهة في عددها الصادر 2 يناير 2011م تقريرا عن محاضرة أعدها باحث فرنسي يهودي اسمه دلبون في عام 1979م في جامعة السربون الفرنسية تحدث فيها عن انفصال دارفور(16)
تولى في عام 2000 رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أسوء رؤسائها وهو جورج بوش الإبن الذي عين في منصب مستشارة الأمن القومي أستاذته الجامعية كوندليزا رايس والتي بشرت بمشروع الفوضى الخلاقة وهذا المشروع يقوم على إحداث عمليات فوضى منظمة في منطقة الشرق الأوسط التي تضم الدول التي تصدر الإرهابيين وبالتالي نشر الديمقراطية على غرار نموذج دول شرق أوروبا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي
وقد كان برنارد لويس المتطرف يعمل مستشار لجورج بوش ومستشارته للأمن القومي كوندليزا رايس و قد تم استضافة الأقليات العرقية في البيت الأبيض وكان من الشخصيات التي تم استضافتها مناوي رئيس إقليم دارفور حاليا الذي تحدث للرئيس الأمريكي عن الإبادة التي تتم في الإقليم للقبائل الإفريقية من قبل سلطات الخرطوم الإسلامية بالتعاون مع المليشيات العربية.
محاولات النظام السوداني لمواجهة أزمة دارفور:
يمكن القول أن نظام الانقاذ حاول بشكل عام حل أزمة دارفور بعدة خطوات:
أ. الصلح المجتمعي بين مكونات دارفور
بعد أسبوع من انقلاب البشير تم عمل مجلس صلح بين القبائل العربية والإفريقية تضمنت حل المليشيات المسلحة وترحيل الأغراب عن دارفور وإعادة كل المناطق لسكانها الأصليين ولجنة لتنظيم مسارات الرعي وتبرعت الحكومة بدفع جزء من ديات الطرفين وتجريم الخطاب العنصري مثل الحديث عن حزام عربي وحزام إفريقي (17)
ب. الضرب العنيف للقبائل لإجبارها على التهدئة:
أجهضت الحكومة تحركات داوود بولاد ومسلحين من قبائل المساليت في الفترة من 1994 وحتى 1997 وكانت الحكومة تخشى من تمدد الحركة الشعبية إلى دارفور خصوصا بعد ما أشيع من كلام داوود بولاد أن العرق أهم من الدين.
ج. غض الطرف عن تسلح القبائل العربية:
عندما حدث الانشقاق داخل الحكومة أيد أبناء دارفور وغرب السودان الدكتور حسن الترابي بينما اختار أغلب عناصر الحزب الحاكم الانضمام للبشير أو الحياد وهي الفترة التي ظهر فيها ما يعرف بالكتاب الأسود وهي الفترة التي تولى فيها ملف دارفور الفريق محمد أحمد الدابي بقرار رئاسي ما زاد غضب أهل دارفور من الإسلاميين في القبائل غير العربية الأمر الذي سرع بإعلانهم التمرد على الدولة وهو الأمر الذي
د. تسليح القبائل العربية لمواجهة التمرد:
في 2003م وفي منطقة (كرب التوم) الحدودية جنوب المثلث الحدودي (المصري السوداني الليبي) تعرضت قافلة من الإبل لتجار من القبائل العربية الدارفورية لعملية نهب من قبل عصابات متمردة اعترضت القافلة وقاموا بنهبها وقتل التجار الذين بها.
وعندما وصل نبأ ما حصل للقافلة لذوي أفراد القافلة قرر أحدهم وهو محمد حمدان دقلو الإنتقام لأصدقائه والانضمام إلى قوات الحكومة تحت قيادة الزعيم القبلي البارز موسى هلال الذي بدأ بإنشاء معسكرات في منطقة مستريحة وهناك تم إنشاء هذه القوات الخطيرة التي أطلق عليها قوات حرس الحدود بغرض دفاعي وهو حماية القبائل العربية من النهب والقتل.
لقد أصبح حرس الحدود قوة باطشة ومع الوقت انتقل من الدفاع للهجوم فتنتقل الحرب الأهلية في دارفور إلى مستوى آخر فيسحق التمرد مع حاضنته الإجتماعية وسط صراخ المجتمع الدولي المستنكر للجرائم البشعة ضد الإنسانية بعد أن امتلأت المخيمات باللاجئين الفارين من الحرب. (18).
وتحت ضغوط سياسية واقتصادية وتهديدات دولية منع النظام السابق من الإجهاز على حركة التمرد وتم عقد اتفاق السلام الأول في دارفور ما بين مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان أكبر الفصائل المتمردة والحكومة السودانية.
وتحت ضغوط دولية قام النظام السوداني السابق بتهميش هذه القوى إلى حين بعد اسكات زعيمهم موسى هلال بمنصب استشاري.
هـ. تمرد قوات القبائل العربية على نظام البشير ومحاولته احتواء هذا التمرد:
تسبب ما فعله النظام بصدمة لأفراد هذه القوات التي رأت فيما فعله النظام خيانة لهم فانضم بعضها إلى المعارضة التشادية المنحدرة من نفس الأصول واتجه البعض الآخر للتمردعلى الدولة وكانت المجموعة المتمردة على الدولة تحت قيادة (العقيد) محمد حمدان دقلو الذي رأى فيما فعله موسى هلال من القبول باتفاقية أبوجا بين مناوي والحكومة السودانية دون ضمان حقوق القبائل العربية خيانة كبرى.
في البداية كان خبر تمرد حميدتي هو إشاعة قوية لم يكن أكثر الناس يصدقونها ولكن عندما هدد بيان باسم الجبهة الثورية السودانية بأن العرب يطالبون بحقوقهم وذيل البيان باسم القائد الأعلى حميدتي والأمين العام أنور آدم خاطر عرف الناس أن هذه الإشاعة كانت حقيقة وبعد ذلك تم توقيع اتفاق تحالف ما بين الجبهة الثورية العربية برئاسة حميدتي وجيش تحرير السودان برئاسة عبدالواحد محمد نور ينص على تعزيز الأمن في مناطق سيطرة حميدتي في منطقة أم القرى بجنوب دارفور ومناطق سيطرة عبدالواحد في جبل مرة ووصول السلع والخدمات الإنسانية للمدنيين ومنع الهجمات على العاملين الأمميين والعمل للوحدة بين الحركتين.
تسبب حميدتي بصداع دائم للنظام الذي عجز عن القضاء عن بؤرة التمرد عسكريا فقوات حميدتي قطعت الطرق تماما في دارفور ولم يعد للحكومة أي قدرة حتى لإيصال مرتبات جنودها إلا عبر الجو ليلجئ النظام إلى الحل الدبلوماسي مع حميدتي ويوافق على منحه تعويضات مالية واجتماعية قدرتها الباحثة السويسرية جولي فيلنت بالآتي:
- حصوله نقدا على مبلغ 440 ألف دولار له ونصف هذا المبلغ لأخيه عبد الرحيم وحصول عمه دوقلو جمعة على منصب نظارة الرزيقات وحصول مقاتليه على تعويض مجزي.
- إخضاع 200 – 300 منهم إلى دورات ضباط.
- إدخال قواته البالغة 3 آلاف وقتها كجنود في قوات هيئة عمليات جهاز الأمن.
- تسليح قواته بكل ما يطلبه (19) وصناعة زعيم للمليشيات العربية في مواجهة موسى هلال.
وعندما اندلع الصراع المتبادل بين النظام السوداني والتشادي في 2007 و2008 استطاعت المعارضة التشادية الوصول إلى انجمينا.
حمل الرئيس التشادي نظام البشير مسؤولية ما حدث له وقرر الإنتقام فقام بتمويل وتسليح حركات دارفور المتمردة بأحدث الأسلحة الفرنسية وبالتعاون مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي قامت حركة العدل والمساواة بالهجوم على الخرطوم من الجهة الغربية لتنتقل الحرب للمرة الأولى للعاصمة في تطور خطير وغير مسبوق رغم أن النظام السوداني استطاع سحق هذه العملية إلا أنه تيقن أنه يحتاج لحل أمني لمشكلة دارفور.
وأن هذه الأزمة تهدد وجوده فاستدعى العقيد محمد حمدان دقلو حميدتي ومنحه رتبة العميد في جهاز الأمن وطلب منه إعادة تشكيل قوات حرس الحدود تحت قيادته فاتجه حميدتي لتجميع أفراد حرس الحدود والتجنيد لأبناء القبائل العربية وغير العربية لتأسيس قوة حرس الحدود من جديد ولكن تحت تحكم جهاز الأمن والمخابرات وإشراف الفريق صلاح قوش ومن بعده الفريق محمد عطا وتم تعيين اللواء محمد حمدان دقلو مستشار أمنيا لوالي ولاية جنوب دارفور.
تسبب تشكيل هذه القوة الجديدة في بروز حدثين الأول هو انهيار اتفاق أبوجا وعودة مناوي إلى الحرب وتركه منصبه بالقصر الجمهوري وفي غضب الزعيم القبلي (موسى هلال) الذي رأى أن الدولة خانته وتصنع اليوم زعامة جديدة لقبيلته ممثلة في حميدتي فاتجه لمعارضة الحكومة (سلميا) في البداية عبر ممارسة ضغوط شعبية من أجل إقالة بعض المسؤولين كطرده لمعتمد منطقة (كتم) و تعيينه معتمدا آخر في تحدي للدولة ثم إنشائه ما يشبه إمارة قبلية في منطقة مستريحة وتوقيع اتفاقات سلام وصلح مع حركات التمرد الدارفورية (الأخرى) الإفريقية بالإضافة إلى محاولته السيطرة على جبل عامر الغني بالذهب.
وكانت كل هذه الممارسات سببا لأن تقوم الحكومة بتأسيس قوات جديدة تحت قيادة العميد محمد حمدان دقلو باسم الدعم السريع والتي دشنت في أواخر عام 2012م بعد فشل المحاولة الإنقلابية الشهيرة للعسكري الإسلامي محمد إبراهيم عبد الجليل.
ز. القبول المحلي والدولي بقوات الدعم السريع:
فقد النظام ثقته في قوات الإسلاميين في العام 2013 بعد انقلاب محمد إبراهيم عبدالجليل الذي يقال أنه تم بتنسيق أمريكي كما ذكرت صحيفة الديلي بيست في أحد مقالاتها فتفطن البشير إلى تأسيس قوات موالية له تماما وكانت هذه القوات هي الدعم السريع هي قوات ذات طبيعة مرنة سريعة الحركة خفيفة التسليح تتلاءم مع طبيعة حرب دارفور ذات الطابع الأقرب (لحرب العصابات) التي كان يرى النظام أبرز ما يهدده مع تكوين الجبهة الثورية واحتمال تمرد الكتائب الإسلامية على النظام اسندت قيادة هذه القوات ل(محمد حمدان دقلو) المنشق عن الزعيم (موسى هلال)، المتصف بالكاريزما العالية والذكاء مع الشجاعة والطموح الجامح .. تم ألحاق الدعم السريع بجهاز الأمن والمخابرات الوطني وكلف بمحاربة الحركات المتمردة ومكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.
وهذا ما جعل الإتحاد الأوروبي يغض الطرف عن فظائع عن هذه القوات لأنها تخلصهم من الهجرة غير الشرعية وفي العام 2015 شنت السعودية حربها على الحوثيين بمشاركة عدة دول من ضمنها السودان..
2023-06-04. صحيفة أوبزيرفر البريطانية :( الاتحاد الأوروبي يدفع المليارات للعصابات المسلحة في أفريقيا كي تمنع المهاجرين).
شارك الدعم السريع بالعدد الأكبر من الجنود.. أما القوات المسلحة فقد كانت مشاركتها النوعية تحت إاشراف الفريق عبد الفتاح البرهان.
11/6/2019 صحيفة النيو يورك تايمز
في العام 2017 أجاز البرلمان قانوناً تم بموجبه تحويل تبعية الدعم السريع من جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة (المشير البشير)
الدعم السريع والطموح لوراثة البشير على حكم السودان:
شهد العهد الأخير من عمر نظام البشير تحول كبير بعد انتقال الرئيس السابق عمر البشير من المحور الإيراني إلى المحور السعودي الإماراتي. كذلك توقف الدعم الدولي لعملية إسقاط نظام البشير عسكريا بعد تجربة دولة جنوب السودان الفاشلة وهو ما ساعد البشير على سحق أكثر حركات التمرد التي لم تعد تسيطر إلا على قوى نائية ومناطق جبلية وعرة وكذلك عرض قواته للعمل في تأمين الإقليم وكان من ذلك الانخراط مع السعودية والإمارات في حرب اليمن بآلاف الجنود من الجيش والدعم السريع.
وقد ساهم هذا الانخراط في نزع الصورة السلبية عن قوات الدعم السريع التي لم يعد يصفها الإعلام الدولي بمليشيات الجنجويد (وصمة عرقية) ولم يعد هناك حديث عن تورطها في جرائم اغتصابات جماعية وجرائم حرب وتحولت لقوات معتدلة تحارب ما يوصف بالنفوذ الإيراني الإرهابي في اليمن.
هذا الأمر شجع على تغير مزاج القوات من البشير بعد أن عجز في الشهور الأخيرة من حكمه على دفع مرتباتها فانقلب محمد حمدان حميدتي على البشير بدلا من حمايته وعندما اندلعت مظاهرات ديسمبر 2018 ولم تشارك في قمع المظاهرات واختارت الحياد وعندما جاءت لحظة أبريل 2019 وقفت قوات الدعم السريع مع اللجنة الأمنية التي قررت اقتلاع نظام البشير.
في 12/5/2019 نشر مركز (بيغن السادات) للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة (باريلان) العبرية تقريرا أعده دكتور جيمس دروسي الباحث بجامعة أوترخيت الهولندية نقل فيه عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن هناك مخططات سعودية إماراتية لإعادة تجربة السيسي في السودان وأنهما يسعيان إلى تكليف نائب رئيس المجلس العسكري (حميدتي) بذلك الدور.. ووصف دروسي في بحثه الذي نشرته وكالة (رويترز) بأنه طموح ومتعطش للسلطة.
منذ اللحظات الأولى اهتم الإعلام العالمي بطموح حميدتي للسلطة وانقسم ما بين طرف يبرز المخطط السعودي الإماراتي لأن يحكم حميدتي وما بين طرف آخر يذكر بجرائم الحرب التي اقترفها الجنجويد في دارفور.
ظهر الطموح السياسي لحميدتي بعد الثورة من خلال مشاركته في المجلس العسكري الإنتقالي الذي أعقب الإطاحة بنظام البشير وفي الخطابات الجماهيرية التي كان يلقيها قائد الدعم السريع في فترة الخلاف ما بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري والتي كان يعلن فيها عن مشروعات للتوظيف وعن تمويل ورعاية مشاريع كذلك اللقاء المستمر برجال الدين والطرق الصوفية والقبائل والإدارات الأهلية وتقديم نفسه كممثل قوي لإقليم دارفور في الخرطوم وأبناء الريف والمناطق الشعبية.
فالدعم السريع قبل أن يمثل في المجلس العسكري بممثل واحد فقط هو الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي في حين كان بإمكانه أن يضغط أن يكون له أكثر من ممثل.
والفريق محمد حمدان دقلو يظهر طموحه السياسي في عدة أمور:
أولها: اهتمامه المفرط بالإعلام فقد قام الدعم السريع بإنشاء إذاعة له وكذلك اشترى الفريق محمد حمدان دقلو صحيفة الصيحة أحد أكبر الصحف في البلاد بالإضافة إلى الفريق محمد حمدان ظهر تلفزيونيا عدة مرات وأجرى عدة لقاءات مع صحف سودانية وعالمية ومع فضائيات سودانية وعربية وعالمية.
كذلك يبدو أن الفريق دقلو شديد السخاء على الصحفيين الموالين له بشكل مباشر حيث يمنحهم ما تيسر من أعطيات وبشكل غير مباشر عبر أخذ مساحات إعلانية في صحفهم ولذلك ينبرى الصحفيون في تقريظ المديح له.
ثانيها: أن الفريق محمد حمدان دقلو كلف بعدة ملفات مهمة أخطرها هو ملف السلام وإنهاء الحرب فالفريق حميدتي فاوض باسم حكومة السودان الحركات المسلحة الدارفورية وغير الدارفورية .
ثالثها: الفريق حميدتي شارك أعضاء المجلس العسكري في إدارة ملف العلاقات الخارجية حيث أنه يحظى بثقة دول ما يسمى الإعتدال العربي السعودية والإمارات.
رابعها: أن الفريق حميدتي طلبت منه الحكومة المدنية أن يقود الآلية الإقتصادية لإدارة البلاد فرفض بداية ثم وافق بعد إلحاح حمدوك وفي مشهد سينمائي جاء بمصحف خاص ليقسم أمام حمدوك على تولي هذه المهمة الجسيمة وهو الذي لا يمتلك الشهادة الثانوية.
الدعم السريع واللعب مع القوى العظمى:
منذ العام 2019 وتعاون حميدتي وفاغنر في تصاعد فقوات فاغنر تقوم بتدريب قوات الدعم السريع وتشاركها بعض العمليات داخل وخارج السودان بعد أن جمعت الحرب الليبية ما بين الدعم السريع فاغنر حيث كانوا يقاتلوا مع قوات خليفة حفتر.
وفاغنر شريكة للدعم السريع في سرقة وتهريب ذهب السودان الذي تم استخدامه في وقت لاحق كما تزعم صحف غربية في تمويل الحرب على أوكرانيا.
سافر حميدتي إلى روسيا إلا أنه لم يحظى بلقاء الرئيس الروسي بوتين وظلت علاقاته الروسية مع الجهات غير الرسمية بينما الحكومة الروسية تتعامل علنا مع الجيش السوداني فقط.
توسع الدعم السريع مستفيدا من خطيئة الفريق البرهان في 30/7/2019 عندما أصدر قرار إلغاء المادة الخامسة من قانون قوات الدعم السريع [الخضوع لأحكام قانون القوات المسلحة] بجميع فقراتها.. وهذا ما جعل الدعم السريع قوات مستقلة وموازية للقوات المسلحة وتحتكم لقانونها الخاص وبعد هذا القرار استورد الدعم السريع أنواع وكميات من الأسلحة لم يكن يسمح له باستيرادها سابقاً، وأصبحت دولة الإمارت هي أهم مصادر تسليحه بالإضافة إلى قوات فاغنر التي هربت له السلاح مقابل الذهب وأصبح للدعم السريع جهاز استخبارات خاص استورد له أجهزة تجسس عالية الدقة من إسرائيل والاتحاد الأوربي استعان بمدربين روس (فاغنر) وتلقت بعض قواته تدريبات في معسكرات حفتر في ليبيا عندما شاركت كمرتزقة في عملية غزو طرابلس الفاشلة عام 2019م
في العام 2014 أعلن الاتحاد الأوربي عن مبادرة تختص بتحديات الهجرة غير الشرعية عرفت باسم (عملية الخرطوم) تتولى إدارتها الوكالة الالمانية للتعاون الدولى (GAZ) في العام 2015 أنشأ الاتحاد الأوربي صندوقا بقيمة 2 مليار يورو (الصندوق الائتماني للاتحاد الأوربي لأفريقيا) وتم تكليف عملية الخرطوم بتفيذ المبادرات الممولة عبر الصندوق. صرح متحدث باسم الاتحاد الأوربي لشبكة DW (إذاعة صوت ألمانيا) بأن أحد المشروعات التي تقودها ألمانيا يوفر المعدات والتدريب لقوات حرس الحدود (الدعم السريع).
أعلن المدعي العام الأوربي عن فتح تحقيق بخصوص تورط اليونان في تصدير أجهزة تجسس عالية الدقة ومصنعة في الاتحاد الأوربي (براديتور) إلى الدعم السريع في شهر مايو 2022م
كشفت صحيفة هارتس الإسرائيلية (المعارضة لحكومة نتنياهو) عن قيام إسرائيل في مايو 2022م وقبل عام من الحرب ببيع منظومات اتصالات وتجسس قادرة على تحويل الهاتف الذكي إلى أداة تنصت لقوات الدعم السريع وأنهم أخذوا هذه المنظومة وقاموا بتشغيلها في دارفور بعيدا عن أعين الجيش السوداني كما أن إسرائيل سلمت قوات الدعم السريع منظومة اتصالات فائقة الأمان حتى تكون اتصالاتهم بعيدا عن أعين الجيش.
عرب الصحراء الكبرى والمشروع الغربي:
كان الربيع العربي نكسة كبيرة لفرنسا التي تدخلت في ليبيا لتحصل على النفط لكنها غرقت في الرمال الليبية ودعمت الثورة السورية على الأسد لتجد نفسها في مواجهة التوافق الروسي الأمريكي على إبقاء النظام السوري فهربت إلى الصحراء لتجرب حظها وقد جاءها ما تريد عندما انهار الجيش المالي عام 2012م بعد هجوم واسع شنه المتمردون الطوارق والعرب والفولاني العلمانيون (حركة تحرير أزواد) ومعهم جماعة أنصار الدين وجماعة التوحيد والجهاد واستطاعوا السيطرة على شمال مالي ما تسبب في انقلاب عسكري على رئيس البلاد لمنع انفراط البلاد .
فتدخلت فرنسا بتمويل إماراتي لمحاربة ما تسميه الإرهاب حيث وقف الرئيس الفرنسي أولاند عام 2013م في دبي ليصرح (لقد حصلنا على دعم الإمارات المادي للعملية العسكرية في مالي ولدينا ذات التوجهات فيما يخص الوضع هناك) (20)
لكن هذا التدخل العسكري جاء لقطع الطريق على مشروع أفريكوم وكانت مالي نفسها أحد مراكز المشروع الأمريكي مع غانا وبوركينا فاسو ونيجيريا، وأوغندا وموريتانيا وإثيوبيا وجيبوتي وكان هذا المشروع الأمني يهدف لتدريب الجيوش لمكافحة الإرهاب وحماية الاستثمارات الغربية والذي كان سينهي النفوذ الفرنسي في مالي
تواجه معظم دول الساحل اضطرابات مسلحة وحركات تمرد وتطرف ينتمي معظمها لذات القبائل المشتركة التي يغلب عليها عناصر العرب والفولاني الذي ينتسب إليهم معظم قادة وجنود الدعم السريع تتداخل المكونات القبلية مع الحركات المتطرفة في معظم دول الإقليم الغني جدا بالموارد مثل حركة التوحيد والجهاد في مالي المكونة من القبائل العربية ومجموعة أنصار الدين المكونة من الطوارق وهو الأمر الذي جعل اتجاهات عديدة تصف الإرهاب في أفريقيا بـالإرهاب الهجين الذي تتجاوز ملامحه الفهم المختزل للتنظيمات الجهادية، إذ لا تهدف الأنشطة الإرهابية إلى تحقيق غايات دينية وهوياتية فحسب، ولكنها تتشابك أيضًا مع الهيمنة القبلية ( 21)
وهذا يظهر في مالي والنيجر حيث أيد العرب تنظيم داعش وبينما استمر الطوارق في دعم تنظيم القاعدة المسمى باسم جبهة نصرة الإسلام والمسلمين الذي يتزعمه إياد أغ غالي
لقد وضعت القوى الغربية خطة للتخلص من هذه القبائل والحركات حتى يتركوا الساحل للشركات الفرنسية والألمانية في تكرار لتكتيكات حسين حبري في قمع التمرد العربي ثمانينات القرن الماضي وتعامل بشار الأسد مع الثورة السورية عام 2012م
كيفية مواجهة المخطط الغربي:
1. المواجهة العسكرية والتفاوض من مركز قوة:
لا حل لمواجهة هذا المخطط ابتداءاً إلا الحل العسكري والتفاوض إذا تم بعد ذلك يجب أن يكون والدولة موقفها قوي لأن وقف المواجهة العسكرية سيفقد الشعب الثقة في الجيش وسيجرئ كل مجموعة عرقية على محاولة محاكاة ما فعله مجموعات عرب (البقارة)
2. العمل الجراحي وفتح باب التوبة
يجب أن تتصرف الدولة بمسؤولية وأن تبتعد عن سياسة العقاب الجماعي حتى لا تتحول مواجهة المخطط إلا أداة لتنفيذه فاستهداف المطلوبين يجب أن يتم دون إيذاء المدنيين وأن تركز على الرؤوس الكبيرة المتورطة بالمخطط وأن تفتح باب التوبة للراغبين في التخلي عن العنف كذلك للقيادات الأهلية التي تم اجبارها على تأييد المليشيا.
3. تفعيل جهاز المخابرات الوطني خصوصا الجزء الخارجي:
يجب أن يكون جهاز الأمن على متابعة دقيقة لكل المشاريع التي تستهدف البلاد وأن يعد الخطط المضادة لهذه المشاريع كما يجب على جهاز المخابرات المتابعة الدقيقة لكل النزاعات والنزعات الموجودة في دول الجوار وحماية البلاد من أن تظهر فيها تلك العصبيات أو الحروب.
4. حماية البلاد من تداعيات الصراع الدولي والإقليمي:
لقد تسبب تورط السودان في الحرب الباردة في تحمل أعباء اللاجئين من دول الجوار خصوصا التدخل في الحرب التشادية ضد القذافي وهؤلاء اللاجئون تحولوا إلى قنبلة موقوتة وسبب في نزاعات دارفور ولم تقم الأمم المتحدة بإعادة اللاجئين إلى ديارهم بل تركتهم ليشعلوا النزاع حول الحواكير.
وهذا بسبب الحسابات الساذجة للسياسيين السودانيين مثل الصادق المهدي الذي أراد الفوز في انتخابات 1986م على حساب الأمن الوطني للبلاد
5. محاربة خطاب الكراهية
يجب أن تقوم الدولة بمحاربة خطاب التفوق العرقي والكراهية وحل الصراعات الأهلية قبل أن تتحول إلى فتن تقوض الأمن الداخلي عبر تفعيل قوانين محاربة العنصرية وعدم الاستثمار في التناقضات المجتمعية.
6. إعادة تأهيل المجتمعات العربية في غرب السودان وإزالة الأفكار السامة التي وصلت إليهم من دول الجوار عن إقامة دولة عرقية في البلاد حتى لا تتحول هذه المجتمعات كأعداء للدولة.
بقلم الكاتب / د.وائل علي
باحث سوداني