الصومال.. فرضيات الحرب وقطعيات المساومة

زرت أرض الصومال .في بدايات العام 2023 وسرت من العاصمة هيرجيسيا إلى ميناء بربرة على طريق بري معبد ويمكن اعتباره من أجمل الطرق التي شاهدت على كثرة أسفاري بالقارة الأفريقية ومنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا تحديدا إذ من الواضح أنه تأسس على مواصفات هندسية ممتازة. وهو طريق لا يبدأ من هيرجيسيا عاصمة أرض الصومال لكنه في الواقع يمتد من داخل الحدود الإثيوبية عند مدينة  وجالي حيث تبلغ المسافة منها إلى بربرة عند الساحل الصومالي نحو. 260 كيلو مترا تتقلص من هيرجيسيا لبربرة إلى نحو 150 كيلو مترا وهي بالمجمل مسافة تعتبر قصيرة وميسورة قياسا على مواصفات الطريق الذي يتكامل مع ميزاته أن  لإثيوبيا جوار حدودي يبلغ 1900كيلومتر، يحادد أربع من محافظات أرض الصومال  الست اثيوبيا· وهي الوضعية التي جعلت أثيوبيا الفاعل الأهم والأبرز في البلد الوليد المختلف في تكييف وضعه الشرعي في منظومة المؤسسات الدولية والإقليمية من ناحية الاعتراف به كبلد مستقل أو إقليم انفصالي عن جمهورية الصومال الفيدرالية الأم ! لكن رغم هذا يلحظ المتعرف على أوضاع البلد حضور كبير للأجانب مستثمرين أو فاعلين في أنشطة تجارية وبعثات غير دبلوماسية لكنها بكل حال ترعي مصالح أو تبحث عن مصالحها دون أن تجرح خاطر العرف الدبلوماسي ضمن وضعية اعتراف أو عدم اعتراف! وبعيدا عن الثابت والمعلوم عن الموقع الجغرافي للمكان في الجانب الشرقي من أفريقيا أو عند زاوية خليج عدن كمعلم ساحلي ودون التوقف كثيرا عن جزئيات التاريخ القديم أو الحديث لأرض الصومال وروابطها السيادية ووضعها الدستوري السابق ضمن القطر الصومالي سواء من حقبة البريطانيين التي انتهت بالعام 1960 بالاستقلال والالتحاق بمكونات الدولة الصومالية ثم إعصار أواخر فترة الرئيس الصومالي الذي انتهت على يديه قصة الصومال القديم في العام 1991 وهو تاريخ بروز أرض الصومال نتاج مرارات وثارات صراع الشمال والجنوب ومؤشر البوصلة المتكرر في كل الحكايات الأفريقية, بعيدا عن هذا كله وقريبا منه بدرجات وبنظرة عن اختبار وتجربة طواف على الأرض يمكن الإشارة إلى جملة معطيات وحقائق قد تعيد صياغة الأسئلة والإجابات بشأن تطورات المشهد الإقليمي المرتبط بهذا البلد .وذلك أن تلك المعطيات ستقود مباشرة إلى أن المنطقة تواجه حالة معقدة من قضية تتجاوز ظاهر التجاذبات الإقليمية إلى خصوصية ملف أرض الصومال نفسها من حيث التكوين القبلي والنسيج العشائري الذي يتوزع تداخلاً وتمددًا بين الصومال الفيدرالي نفسه إلى أثيوبيا إلى جيبوتي وبالتالي لا يمكن إجراء عملية رياضية أو تأسيس معادلة دون أن تكون محصلتها خصم من بلد وإضافة لأخرى إذ ومن واقع تشابك وتماثل المعطيات خاصة في جوانب وضعية الامتدادات إلى السواحل ووفرة الخيارات وعدمها (وضعية الصومال وأثيوبيا تحقق هذا المثال بين المتاح والمعدم) وبين هذا كله وتقاطعات قوى كبرى أو طموحة في صراعات السيطرة على السواحل الأفريقية أو الوقوف على خلجانها (هذا يتحقق بمثال الإمارات وتركيا) وبين ترقب دول عظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وكلها معطيات معقدة يمكن أن يضاف إليها صراع القطبية المتصاعد بين مصر وأثيوبيا وهو صراع يتشكل في تفاصيل كثيرة بعضها في سياسة تقليل الكروت بيد كل طرف . واقرب تمثلات هذا الصراع يمكن الوعي بها في الصراع حول مياه النيل الذي تقريبا حسمته أديس أبابا بملف سد النهضة (ما لم تقع مضاعفات) فيما لم يبق للقاهرة بطبيعة الحال سوى إفساد فرصة أثيوبيا في إطلالة بحرية من خلال أرض الصومال وهو ما يفسر بوضوح لا لبس فيه التحرك المصري للالتحام مع الصومال الفيدرالي لقطع الطريق أما إثيوبيا, بمقتضيات الشراكة في شواغل الأمن القومي ومراعاة الحفاظ على وحدة وسيادة الصومال مما أدى لظهور الجيش المصري تحت غطاء وبند المساعدات في العاصمة الصومالية مقديشو وهو ما لن تستسلم بشأنه أثيوبيا التي ستتحول القضية عندها إلى قضية ذات أبعاد تتعلق بهاجس الإثيوبيين الدائم من مهدد توجه مصري في حكم المؤكد أن موقفه النهائي سيكون مؤسسا على تحجيم أثيوبيا وربما إصابتها بالرضوض وربما تكسيرها لحين الوقوف على معالجة لمسألة مياه النيل التي هي نقطة مصر الحمراء التي لن تنطفئ ما دامت توربينات سد النهضة تدور وحجز المياه مطروحا ضمن هموم المراقب المصري غض النظر عن الحقائق الهندسية التي تجعل الحديث عن حبس للمياه خلف السد نفسه عملية مستحيلة.

الصومال الفيدرالي سبق تقدمه تجاه مذكرات التعاون العسكري مع مصر بتقدم أسبق مع تركيا حيث وافقت حكومة وبرلمان الصومال - فبراير 2024 ـ على اتفاق دفاعي مع تركيا بمقتضاه يستفيد الصومال من الدفاع عن مياهه الإقليمية وإعادة تنظيم القوات البحرية، وفق ما أوضح الرئيس حسن شيخ محمود عقب جلسة مشتركة للبرلمان. يوم المصادقة على الاتفاق وأضاف شيخ محمود أن "الاتفاق الذي عرض على البرلمان يتعلق فقط بالتعاون بين الصومال وتركيا في مجال الدفاع البحري والمسائل الاقتصادية، ولا يهدف بأي حال إلى إثارة الكراهية أو نزاع مع أي دولة أو حكومة أخرى".

الاتفاق الصومالي التركي يمتد وفق نصوص ما نشر إلى عشرة أعوام حيث تهدف حكومة مقديشو إلى بلوغ مرحلة بناء قوات بحرية

2

بالمقابل وضمن تقاطعات القوى الأخرى لا يمكن تجاهل الدور المحوري للإمارات العربية في أثيوبيا وارض الصومال وفي الأخيرة تحديدا أنفقت الدولة الخليجية ذات الطموح المتزايد في السواحل والموانئ الأفريقية أنفقت على بنية تحتية في الطرق وتأسيس ميناء بربرة عبر شركة موانئ دبي العالمية أموالا طائلة في تطوير ميناء بربرة وتحدثت فيه منذ بدء المشروع في العام 2017 نقلة كبيرة طالت حتى ارض الصومال نفسها التي يمكن كمثال القول أنها ربما من المدن الأفريقية القليلة التي لا تنقطع خدمات الكهرباء فيها مع طفرة في التنمية العمرانية والانشاءات . وتوظيف جيد لقدرات الميناء المشيد حديثا في بربرة عند الساحل . وهي مدينة حدثت بها نقلة كبيرة وهائلة من واقع مشاهداتي الميدانية وهو ما انعكس في التحسن الكبير لمداخيل المدينة الساحلية وعمالها مع نهضة لا يمكن إنكارها أو التقليل منها في عموم البلد الذي ضاعف هذا بجذب أموال ابنائه المهاجرين وتدفقهم نحو بلد يعتقدون بشكل قاطع ويقين أنه تعرض لظلم من الجنوب الصومالي وأنهم حققوا معجزة بإقامة بلد من تحت الرماد خاصة في السنوات العشرة الأخيرة التي ضمن أسباب كثيرة يجب الاعتراف أن الدور الإماراتي عبر المنح والتمويلات والصناديق وغيره أسست لواقع جديد بالكلية ربما يتفوق على غالب واقع المناطق الصومالية الأخرى المنفصلة أو المشتركة في البناء الفيدرالي مع البلد الام

2

الحضور الإماراتي لا ينفصل كذلك في أرض الصومال كما قدمت من النفوذ الإثيوبي والذي استفاد مرحليا من بدايات التأسيس لميناء بربرة حيث منحت إثيوبيا حصة بالميناء تقارب الثلاثين بالمئة من أنصبة موانئ دبي وحكومة أرض الصومال وربطًا لهذا مع الإضافات التي وفرها عقد الإنشاء للطرق (ومنها الطريق الرابط بين جوالي وبربرة عبر هيرجيسا) توفرت لإثيوبيا ميزة ومصلحة أخرى خارج مسألة الإطلالة البحرية (هذه برزت في العام 2024) وتلك الميزة كانت في أن أثيوبيا وجدت أمامها سوق واعد للتصدير وعال الاستهلاك. بما في ذلك التوريد لسوق أرض الصومال بالخضروات والغذاء وفتحها لتكون سوق إضافية لرأس المال الإثيوبي. وكان واضحا أن هذا النفوذ يتمدد اقتصاديًا وسياسيًا بشكل كبير وبتصاعد ملفت وصحيح أنه في بدايات العام 2022 ولأسباب تتعلق بجوانب خاصة باتفاقية الشراكة والتأسيس لميناء بربرة (مشروع التطوير بتعبير أدق) فقد ألغيت أسهم أثيوبيا بالمشروع لكن ذلك لم يقلل من نفوذها بما في ذلك تأثيرها حتى على اللوحات الإرشادية داخل ميناء بربرة التي كتبت إلى جانب الإنجليزية بالأمهرية وبعض العربية !

النفوذ الاثيوبي له تأثيرات ظاهرة على الكتلة السياسية بأرض الصومال وهي كتلة سياسية نشطة جدا وصاخبة ونجحت رغم بعض الهنات الموضوعية في تقديم نموذج ممارسة ديمقراطية ربما تكون افضل من تجربة بعد البلدان بالإقليم والمنطقة. إذ من العام 1991 نظمت ثلاثة انتخابات آخرها كان قبل شهر فقط وتحظى عادة بحراك جماهيري وتنافس عريض وسجالات تبلغ أحيانا درجة التوتر والمصادمة لكنها بكل الأحوال تنجز فرضها خاصة على مستوى انتخابات مجلس النواب والمجالس المحلية ناهيك عن الانتخابات الرئاسية ولعل أوضح نموذج لفعالية هذا الحراك ما حدث في انتخابا  مايو ٢٠٢١، والتي فاز فيها حزب كولمية للسلام والوحدة والتنمية الحاكم بمقاعد أقل من تحالف المعارضة المكون من حزب واداني الوطني وحزب العدالة والرفاهية . وحتى هذا العام جرت انتخابات ساخنة لم تخلو كمعتاد التخاشن الديمقراطي من اتهامات للرئيس الحالي الذي سيقضي وفق الدستور ولاية مدتها خمس سنوات

3

الآن وبعيدا عن العينات المجهرية لطبيعة منطقة النزاع الثلاثي (الاثيوبي المصري الصومالي) والذي يتخذ من قضية مذكرة التفاهم والتعاون بين أثيوبيا وأرض الصومال والتي طلبت فيها أديس أبابا حقها في الحصول على منفذ بحري على أرض الصومال بميناء بربرة لتخصيص نحو 20 كيلو مترا لأغراض إقامة قاعدة بحرية. بعيدا عن هذا العنوان أعتقد أن الملمح الأهم الذي سيحدد قطعيات مواقف الأطراف كلها سيكون معتمدا بالكامل على نقطة لم ترد في التداول العام حول هذا الأمر ويتعلق بالعلاقة والوضعية القانونية بين الصومال وأرض الصومال ووضعية ميناء بربرة نفسها. إذ أن المنفذ الساحلي الذي قد يكون نقطة النزاع والاشتباك وربما أرض القتل البحري. حينما طرح موضوع تطويره - ميناء بربرة - جرت الأمور دون تدخلات مع جمهورية الصومال الفيدرالية بما في ذلك دفوعاتها الخاصة بالوضع القانوني لأرض الصومال نفسها. بمعنى أنه ومنذ العام 2017 وإلى الآن كانت أرض الصومال تجري التعاقدات والعقود بشأن عملية التفاوض مع شركة موانئ دبي العالمية ثم الحكومة الإثيوبية ولم يبرز اعتراض ذا حجة من حكومة الصومال الفيدرالية! ووصل الأمر إلى تعاقد أرض الصومال بوضعها القانوني كبلد غير معترف به مع بلدان عربية وأفريقية عبر شركات في مشروعات لصادر الماشية أو المنتجات البحرية دون أن يتم تقييد موقف مثلما حدث في الأزمة التي فجرتها قضية مذكرة التعاون بين أديس أبابا وهيرجيسا.

أكثر من هذا كان الصومال المختلف حاليًا مع الحكومة الإثيوبية جزء من مشروع تحالف لقرن إفريقي جديد. برزت مشاوراته في العام 2020 بمبادرة بين الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي. وجرت في هذا قمم ثلاثية بين الصومال وأثيوبيا وإرتريا في أسمرا وبحر دار وكانت وقتها أثيوبيا بكامل نفوذها وتموضعها في أرض الصومال ومعلوم وضعيتها أكبر بائع ومستثمر في منطقة صومالية انفصالية لكن ذلك لم تسجل بشأنه تحفظات صومالية ذات صيت أو إسرار. والغريب في أن هذا الحلف نفسه الآن جرت به تحولات مفتاحية إذ تبدو إرتريا والصومال الآن والتحقت بهم مصر أقرب للاصطفاف ضد أثيوبيا وبشكل صارم قاعدته ومنطلقه الحفاظ على سيادة الصومال الموحد غير المنقسم ! بينما تحتاج أثيوبيا بالمقابل إلى معجزة لبناء تحالف مضاد فجيبوتي وضمن تعقيدات الجغرافيا والتاريخ وصلة الرحم وضعها محرج للغاية فهي لا تستطيع أن تنحاز لأرض الصومال وأثيوبيا على حساب الصومال الكبير ولا هي يمكن أن تدعم بالإطلاق الصومال الفيدرالي نسبة لتعقيدات تتعلق بصلات عشائرية مع أرض الصومال وبتداخلات مع أثيوبيا كثيرة المخاطر ولا هي كذلك يمكن أن تلبي نداء تحالف يضم إرتريا وبينهما نزاع ودم وصراع حدود. رغم التحركات الأخيرة من القيادة الإرترية تجاه جيبوتي والقيادة الجيبوتية لتدارك الشروخ القديمة .

4

هذا الوضع برمته في أزمة الإقليم الآن يمكن اختصاره في أنه صراع محتمل بين تركيا والإمارات حالما مضت الأمور بالجميع تحت هذا الظل الإفريقي إلى وضعية المواجهة عند حافة الهاوية. ولأن كلفة مواجهة بين أبوظبي وأنقرا في أرض محايدة عملية معقدة وباهظة التكاليف ولأن مصالح الطرفين ستقتضي التسوية فالمؤكد عندي أن المواجهة ستهبط إلى درجة الصراع بالوكالة! بمعنى أن الأرجح أن تصارع أثيوبيا والإمارات مصر والصومال وربما تركيا عبر واجهات الوضعية الملتهبة للأطراف الصومالية. بمعنى أن أديس أبابا توظف الأقاليم الموالية لها بالصومال الفيدرالي خاصة الأقاليم الغربية بينما ستنشط الصومال الفيدرالية في إثارة القلاقل عبر النقاط الهشة أو كعب أخيل في مناطق عشائرية بأرض الصومال على مرات مع هيرجيسيا وربما سيشمل هذا إقلاق أثيوبيا بنزاعات في الإقليم الإثيوبي الصومالي لاسيما أن الحكومة الإثيوبية مؤخرا أفرطت في التلاسن مع جبهة تحرير أوغادين والتي على الأرجح قد تضاف لتوترات الحالة الأمنية في أثيوبيا إلى جانب غاضبي جيش جبهة تيغراي أو الأمهرا الفانو وجيش تحرير أرومو الانفصالي. وإذا سلمنا بهذه الفرضيات القائمة على أرجحية وثقل ميزان الصراع بالوكالة وانعدام فرص الحرب المباشرة لتعقيدات الأحوال الداخلية للصومال وأرض الصومال وأثيوبيا ولإشكالات اقتصادية وعسكرية فهذا الانعدام سيشمل مصر نفسها التي تعلمت منذ حرب اليمن في عهد جمال عبد الناصر ألا تغامر بخوض حرب على الأرض وإن كان يمكن لها أن تطلب النزال طالما أنه لن يكلفها جندي أو قتيل أو معدة مدمرة. فإذا سلمنا بهذه الفرضيات فعلى الأرجح أن خيار إنزال تسوية بنسق دبلوماسي وناعم قد تؤدي لفرض واقع جديد لكن هذا سيكون مفتاحه بيد تركيا فهي الأقدر على التحرك بسلاسة بين العواصم المتقابلة في هذه الأزمة وإن كانت ستجد صعوبة في توفير خيار مناسب وموضوعي للاحتياج الإثيوبي للبحر ولو للأغراض المدنية إذ في حكم المؤكد أن أديس أبابا لن تقبل بوضعية تضع بها رقبتها وحلقها تحت قبضة الصومال الفيدرالي كما أنها لن تفرط في دجاجة تبيض ذهبًا مثل أرض الصومال وفي الوقت نفسه لديها تجربة غير مريحة مع جيبوتي ومن المستحيل بطبيعة الحال أن تقبل إرتريا بظهور أثيوبي على سواحلها (هذا إن لم تقم حرب أخرى بين البلدين) وبالتالي لا يبدو من خيار لدى الأتراك سوى البحث عن خيار خارج هذا الصندوق وهو ما يمكن اختصاره في خيارين:

الأول إقناع أثيوبيا بعرض ما كمقايضة عن طلب البحر وهذا لا أظن أن الاتراك بذاك السخاء بشأنه إلا إن تدخلت الإمارات بشكل ما بدعم هذا السخاء وغالبًا مع اشتراط الإبقاء على مصالح أثيوبيا في أرض الصومال فيما يخص السوق والنفوذ والاستثمارات  وبالوقت نفسه إزالة تحفظات الصومال بشأن مذكرة التفاهم ومقتضيات تأسيس قاعدة بحرية أو انفتاح أثيوبي على السواحل الصومالية باعتباره بلد يشكل كتلة موحدة وبالتالي الانتقال لوضعية بحث الوضع النهائي للإقليم (أرض الصومال) وفق مواقف كتلة دول الاتحاد الافريقي وإسناد الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وربما الولايات المتحدة والأمم المتحدة وهي كلها قد لا تستطيب منح أرض الصومال صفة دولة مستقلة لتأثيرات ذلك على نماذج أقاليم بكثير من الدول الأفريقية أوضح أمثلتها ليبيا وشبهات اتجاه دارفور لوضع مماثل إن لم يتدارك السودان عجلة لحسم الوضع الميداني في الحرب

وأما الخيار الثاني فهو البحث عن انسب خيار يمكن أن يجنب المنطقة الانجرار إلى حرب مباشرة أو حرب الوكالات ولكن عقدة هذا الخيار أن أنسب مكان للنقاش بشأنه يبدو عالقا في دائرة حسابات معقدة وظرف استثنائي. وأقصد هنا السودان. فهو تقريبا البلد الوحيد الذي إلى الآن بعيد عن استقطابات هذه الأزمة في جانبه الشرقي .فهو جيد العلاقة مع الصومال الفيدرالي وإن تراجعت هذه الجودة بسبب قصور رؤى مرحلة ما بعد التغيير في 2019 وتناقص نفوذه في المنطقة رغم أنه كان من المؤثرين في دعم الحكومة الصومالية على أكثر من وجه والسودان كذلك علاقاته جيدة مع إرتريا وتبدو في أفضل حالاتها وأما مصر فهي الأقرب الآن للسودان بقدر يعتقد معه البعض أن مشكاة المواقف واحدة وأما مع أثيوبيا فثمة اضطرار حتمي لعلاقة مستقرة لظرف البلدين وتشابه الأزمات في بعدها الأمني والسياسي وتداخل تأثيرات الحدود وبعض خيوط ملف سد النهضة حيث أنه مبدأ موقف السودان أفضل في النظر لقضية السد باعتبارها منفعة لأن الخرطوم غير مسكونة بهواجس إغلاق المياه ولكن عقدة هذه الوضعية للسودان وسط هذا الطيف ستكون بالأساس على بعدين:

 الأول وهو الأهم طبيعة العلاقة مع دولة الإمارات العربية إذ يبدو مستبعدا في ظل التصعيد بين البلدين بسبب تورط الإمارات البائن في حرب السودان لصالح متمردي الدعم السريع من المستبعد أن يجد السودان لنفسه هوى في أن يفتح مخرج طؤارئ بمنح أثيوبيا خيار الإطلالة على البحر من السواحل السودانية وهو ما يعني عمليا رفع المعاناة عن كاهل الإمارات في أزمة حليفتها أثيوبيا على أرض استثمارات دبي في أرض الصومال! ولا يبدو من سبب وجيه أن تمنح الخرطوم حتى إذا رغبت في خدمة تركيا أو الافادة من ثمار نزع فتيل التوتر في القرن الافريقي أن تمنح الإمارات فرصة تنفس الصعداء في مشكلة يمكن أن تضعها في مواجهة البحرية التركية أن تمسكت الأطراف المحلية الأفريقية بمواقفها. ولكن ولو بتجاوز هذا يبدو أمام السودان كذلك عقبة أخرى وهي الموقف من مصر وإرتريا اللذان يبدوان أشد تطرفا وحدة في طي الأزمة وفق نظرية الحسم القاسية تجاه أثيوبيا إذ سنحت للقاهرة بأزمة السجال حول الصومال سانحة قد لا تتكرر في وضع أثيوبيا في مرمى الضغط العالي وربما المعالجة المدمرة ولو عبر آخرين أو بالحد الأدنى وضع خصمها التاريخي في خانة البلد الحبيس للأبد. فيما يبدو كذلك أن توجهات إرتريا مع أثيوبيا خاصة بعد انحلال عرى التحالف المؤقت بين أسياس أفورقي وأبي أحمد للفترة من 2018 إلى 2022 منذ إعادة تنشيط اتفاقية السلام الإثيوبية الإرترية إلى ما بعد حرب تيغراي ثم تداعيات اتفاق بروتريا بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي التي واضح أنها لا تروق للحكومة الإرترية التي عادت لحالة عدائية فترة حرب بادمي 1998 والراجح أنها لن تتردد أن سمحت لها الظروف بشن حرب أخرى وبالتالي قياسا على الموقفين المصري والإرتري فسيكون موقف السودان في غاية الحساسية إن تخير مبادرة ما تتصادم مع اتجاهات القاهرة وأسمرا فالعاصمتين هما الأقرب الان للعاصمة السودانية المؤقتة في بورتسودان وليس من العقل خسارة إحداهما أو الإثنين معا ولذا يبدو أن موقف السودان على ميزات موقعه وصلاته يتطلب تعمقا في بحث الفرص بشكل عقلاني وموضوعي بما يحقق مصلحته غير أن هذا البحث وكنتاج للإضعاف الذي تم لدوره والأنيميا الحادة التي أفقرت دمه عقب ذهاب نظام الرئيس البشير لا تبدو متاحة لكثرة المقيدات الخارجية رغم قناعتي الشخصية أن السودان يمكن أن يستفيد من هامش مناورة واسع ومرونة متاحة له دون بقية الدول في الأزمة الماثلة في الصومال غير أن ذلك لا يمكن التفكير فيه بمعزل عن ظرف الحرب الراهنة وتقاطعات كواليس الصراع فيها من جهات خارجية ومجاورة لأن أيما سوء في تقدير الموقف قد يضع السودان في خانة الذي لم يطل لا العنب ولا البلح . فيخسر في الحالين. إن تحرك أو تجمد في مكانة

وبكل حال فإن الكلمة النهائية في مثلث الصومال وأرض الصومال وإثيوبيا كأطراف متقابلة على الأرض سيكون لتأثيرات المجتمعات المحلية وشعوب تلك الدول. والملفت في تلك المنطقة أنها وفي تصادف غريب ومنذ العام 1991 وإلى الآن حدثت بها تحولات اقتصادية واجتماعية هائلة مقارنة بظروفها وماضيها وتغذى الوعي بين سكانها الذين تذوقوا طعم الاستقرار والمضي ولو ببطء على مدارج التنمية والبناء وهي جملة حقائق ومهما علت أصوات الرفض والتشاكس أو المؤثر الخارجي أتوقع ببساطة أن تنحاز شعوب تلك المنطقة وبالتالي الحكومات إلى مصالحها التي تتأسس على تجنب العودة إلى وضعية الحروب والمعارك. لقد زرت أرض الصومال وأقمت لفترة بإثيوبيا وأرقب بحرص الصومال الفيدرالي وما يمكنني قوله قولا واحدا أن تلك الشعوب قد وعت من دروس عذاباتها السابقة ومرارات سنوات معاركها الداخلية وهو ما يحصنها الآن وسيحصنها من ارتكاب حماقة التخريب والتدمير لأوطانها . بل ربما أظن أنهم وبعد ما يرون في السودان سيكونون على وعي أشد بمآلات الانخراط في مواجهة عنيفة ولذا كما قلت بالحد الأقصى لهذه الأزمة قد تبلغ حرب وبالوكالة تجرح ولا تؤذي أو قد يعود الكل إلى وضعية تعايش المصالح.

 

بقلم الكاتب / محمد حامد نوار

صحفي سوداني


 

يمكنك كتابة تعليقك هنا

أحدث أقدم