مقدمة:
في فجر يوم الخميس الموافق 26 سبتمبر 2024 بدأ الجيش السوداني الانفتاح من قواعده العسكرية على عدة مناطق داخل العاصمة السودانية وخارجها لمحاولة القضاء على قوات الدعم السريع، وبذلك استبشر الناس خيرا بقرب انتهاء تمرد قوات الدعم السريع وانتصار الجيش السوداني في هذه الحرب وتشكيل واقع جديد بعد نهاية الحرب.
من هنا يبدأ تساؤل كثير من الباحثين والمختصين عن شكل وواقع السودان بعد نهاية هذه الحرب، كيف سيكون واقع السودان؟ وكيف سيكون شكل الدولة السودانية؟ وهل سندخل في موجة اضطرابات أخرى بعد الحرب أم سيكون الحال أفضل من واقع السودان قبل الحرب؟
والحقيقة أن السودان كان دولة مضطربة منذ بواكير الاستقلال من الاحتلال البريطاني وحتى يوم الناس هذا، لم تخلوا حقبة من الزمن في تاريخ السودان من اضطرابات سياسية أو تمردات عسكرية أو صراعات قبلية أو انقلابات عسكرية. مما يطرح تساؤلًا مشروعًا عن كون هذه الحرب هل ستكون آخر مظاهر اضطراب الدولة السودانية أم أننا أمام دوامة أخرى وموجة جديدة من الاضطراب.
والحقيقة أني على كثرة ما بحثت لم أجد إلا النذر اليسير من المقالات والأبحاث التي تتحدث عن شأن مستقبل البلاد بعد الحرب، وهذا الأمر من الخطورة بمكان، فإن عمليات القفز غير المدروسة من المراحل السياسية المختلفة في نظري هي سبب رئيسي لحدوث هذه الاضطرابات واستمراريتها، ولعل السودانيين يذكرون شعار (تسقط بس) الذي حملته الثورة على نظام البشير والذي كان قفزًا إلى المجهول وتسبب في سيلان لعاب استخبارات الدول الغربية والإقليمية والأحزاب الطفيلية للسيطرة على موارد ومقدرات البلد.
نتج عن هذا اضطراب شديد في المشهد السوداني أوصلنا بدوره إلى هذه الحرب التي شنتها قوات الدعم السريع على الدولة السودانية طمعًا في السيطرة عليها, مدعومة بالمطامع الإماراتية في البلاد.
في هذه المقالة نحاول أن نضع بعض النقاط الأساسية والمركزية والتي نرى أنهم من الضروري الانتباه لها ووضع الحلول والمعالجات لها لضمان عدم الدخول في موجة اضطرابات سياسية واجتماعية أخرى بعد انتهاء هذه الحرب بانتصار قوات الجيش السوداني والمستنفرين والكتائب المساندة له بإذن الله تعالى ونحن في هذه الورقة لا ندعي أننا سنضع حلًا جذريا لكل مشكلات السودان ولكننا سنركز على خطوات أساسية ونقاط مهمة لعل بالانتباه لها يتم تفادي مثل هذه الاضطرابات.
مشكلة العنصرية:
أحد جذور الأزمة في السودان هي العنصرية والقبلية على حساب الوطنية وعلى حساب الدولة السودانية.
ولا شك أن العنصرية كان لها الدور الكبير في إشعال هذه الحرب والحروب السابقة وفي إيغار الصدور وفي الممارسات العنيفة والإجرامية من قوات الدعم السريع والمكونات القبلية المساندة له تجاه عناصر وأفراد ومكونات الشعب السوداني، فهذه القبائل الحاضنة لقوات الدعم السريع تكن مقدار عاليا من العنصرية والتعالي على أفراد وقطاعات عريضة من مكونات الشعب السوداني، ويصرح بعضهم بصورة علنية على أن هذه المكونات المجتمعية لا تستحق الحياة إلا تبعًا لسطوة جنجويد الدعم السريع.
فلابد من معالجة هذه الجذور ومقاومتها وتجريمها، وهنا لا بد من تضافر جهود مؤسسات الدولة المختلفة وقطاعات المجتمع المدني لقطع دابر هذه الفتنة.
فعلى المستوى القانوني ينبغي أن تسن التشريعات والقوانين الصارمة التي تجرم الأفعال والأقوال والكتابات العنصرية والقبلية التي تقلل أو تضطهد أي مكون اجتماعي آخر في السودان ويجب أن يتوافق جميع السودانيون على احترام هذه القوانين وعلى سيادتها على جميع أفراد الشعب السوداني وعلى أن تكون هذه القوانين في غاية الضبط القوة الكافية لردع كل من يرتكب أي فعل أو قول أو قول يصنف على أنه قول أو فعل أو كتابة عنصرية.
كذلك المنظمات التوعوية والمؤسسات الدعوية ينتظرها جانب كبير في هذا الأمر ينبغي أن تبدأ التخطيط له من هذه اللحظة خصوصًا مع التبعات والترسبات التي ستخلفها هذه الحرب والتي قد يمتد ضررها وأثرها إلى قطاعات واسعة لم تكن يومًا شريكة في هذه الحرب على الدولة.
في نظري يظل أحد أهم أسباب استمرار العداوات القبلية والعنصرية هو التعميم وتجريم المكونات الاجتماعية بكاملها بجريرة أحاد المنتسبين لها، فلا بد من الفطنة لهذا الأمر وأن يكون مسألة أمن قومي بالنسبة لمؤسسات الدولة والأحزاب السياسية ولا بد أن يكون الشغل الشاغل لمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات والجماعات الدعوية في البلاد.
الآثار النفسية للحرب وصناعة التوحش:
تشير كثير من الدراسات أن المجتمعات بعد الحروب يحصل لديها قدر عالي من التوحش والميل لاستخدام العنف في حل الخلافات، وعدم الحساسية تجاه الجرائم والأحداث العنيفة لاعتياد مظاهرها أثناء الحرب، مما يشكل خطرا على سلوك هذه المجتمعات بعد انتهاء الحرب.
كذلك من الآثار النفسية حالات الاضطراب والقلق والخوف لدى الأطفال وبعض النساء وحتى بعض الرجال ممن تعرضوا لانتهاكات الدعم السريع أو تأثروا بأصوات القنابل والمدافع، ستكون هذه الشريحة كبيرة في المجتمع بسبب تمدد الدعم السريع في كثير من ولايات السودان.
وهذا يحتم على المختصين وضع خطة متكاملة لمعالجة هذه الآثار من النواحي النفسية والشرعية والسياسية والقانونية.
إمكانية سيطرة القوات المسلحة على الحالة السياسية في السودان والانفراد بتشكيل الواقع بعد الحرب:
تتركز المشكلة في سيطرة القوات المسلحة على السلطة في السودان في تكوين نظام شمولي يسيطر على كل مفاصل الدولة الحديثة والدولة الحديثة بطبيعتها دولة قابضة مركزية تتحكم في كافة تفاصيل الحياة وتجمع كل المعلومات الحساسة عن المواطنين فإذا كانت كل قوة السلطة المختلفة العسكرية والنظامية والقضائية والسياسية والتشريعية في يدي مجموعة واحدة فإن هذا ينذر بتغلغل هذه القوة داخل الدولة وظهور الفساد والقهر السياسي والمحسوبية ومصادرة الحريات والعنف وخصوصًا أن مرحلة ما بعد الحرب ستشمل محاولة وضع دستور دائم يعبر عن السودانيين ومراجعة التحالفات الخارجية والتشريعات القانونية وغيرها من السياسات التي تهم كافة الناس وينبغي أن تكون لهم مشاركة فعالة فيها.
لا تقتصر المشكلة في أطماع بعض ضباط المؤسسة العسكرية، كذلك بعض الأحزاب السياسية تطمع في عقد شراكة أو صفقة مع العسكر يخلي لها الساحة السياسية في السودان لتشكيل واقع ومستقبل السودان وفق رؤيتها الخاصة.
ولحل هذه المشكلة لابد من توافق سياسي الشامل بعد الحرب يستطيع أن يجبر المؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية المدعومة من الخارج على إشراك الشعب السوداني في قضاياه المصيرية واحترام التعددية السياسية.
كذلك لا بد من يقظة وانتباه المجتمع المدني لكل أشكال التدخل الخارجي وخارطة التحالفات السياسية التي تحاول الانفراد بتشكيل مستقبل البلاد، وفي مقابل ذلك يجب أن تكون تجهيزات الأحزاب الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني في اية الاستعداد للتصدي لهذه المحاولات.
اقتصاد ما بعد الحرب والافتقار للدراسات الموضوعية:
في اقتصاديات ما بعد الحروب هي نقطة تحول مهمة في حياة أي شعب قد ترتقي بها إلى مصاف الدول المتقدمة أو قد تنحدر بها إلى أسفل سافلين، فتجارب كثير من الدول في نموذج الاقتصاد السياسي الذي اتبعته بعد حروبها كان السبب الرئيسي لنهضتها الاقتصادية على سبيل المثال العراق وأنغولا وإثيوبيا ورواندا وحتى الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية الأمريكية كذلك هناك دول بعد الحروب لا تزال في مضائق اقتصادية واحدة تلو الأخرى لأن الحر دمرت كل وسائل الإنتاج التقليدية وسببت انهيار اقتصادي وتضخم انفجاري في العملة، فافتقدت هذه الدول للرؤية الاقتصادية الشاملة لمعالجة التشوهات في الاقتصاد الكلي وتحقيق التنمية المستدامة وتوفير قدر معقول من الرفاهية للشعب.
للأسف الناظر لحال المنظرين في الاقتصاد السياسي السوداني من أكاديميين وسياسيين وأحزاب يجد افتقارا ملاحظًا للنظرية التي ينبغي أن يسير عليها الاقتصاد السوداني بعد الحرب، وهذا الأمر جد خطير فينبغي مسارعة الجهات ذات الصلة في الدولة والمؤسسات الوطنية والأكاديميين الحادبين على البلاد في وضع خطة متكاملة لتعافي البلاد من آثار الحرب خاصة بعد عودة ملايين النازحين والمهجرين قسريا لداخل البلاد مما سيشكل عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة.
الخاتمة:
أردنا بالإشارة لهذه المشكلات الأربعة أنها مشكلات قديمة ومتجددة تسبب الاضطرابات والصراعات في السودان منذ زمن الاستقلال، وهذه سانحة قد لا تتكرر للجهات الفاعلة في البلاد بعد الحرب لوضع السودان في الطريق الصحيح.
فكانت هذه المقالة موجهة للحادبين والفاعلين والمؤثرين والمتخصصين ليضطلع كل منهم بدوره قبل فوات الأوان.
والله ولي التوفيق
بقلم الكاتب / محمد حسين
رئيس هئية التحرير